Monday, November 24, 2008

نظام حكم سفيه يقود البلاد الى الخراب



يعجز الفهم أحياناً عن إدراك مغزى قرارات تتخذها حكومات عربية لا تمس مصالح شعوبها بصلة! من ذلك القرار الذي اتخذته الحكومة المصرية عام 2005، في توقيع اتفاق بيع الغاز المصري إلى إسرائيل بأسعار زهيدة، ومن دون الرجوع إلى السلطة التشريعية التي تملك هذا الحق.
ولعل سؤالاً حائراً جال في خاطر كل مواطن مصري - بعد أن قضت محكمة مصرية الأسبوع الماضي ببطلان هذا الاتفاق - حول السبب الذي من أجله قبلت الحكومة المصرية - وهي ليست غنية - بيع الغاز لإسرائيل - وهي ليست فقيرة - بأسعار زهيدة! الأمر الذي ترتبت عليه خسارة قرابة 9.5 مليون دولار يومياً جراء صفقة الغاز هذه وصفقة النفط قبل ذلك، بحسب تقديرات المعارضة المصرية!
وبغض النظر عن الأسباب الكامنة وراء هذه الصفقة المريبة، فإن أقل ما يمكن أن يوصف به عمل الحكومة المصرية من الناحية القانونية الصرفة، هو أنه "سفه"، وأكثر ما يمكن أن يوصف به، هو أنه "مخالفة جسيمة للدستور".
فالسفه، هو تبديد الأموال في غير محلها، والسفيه في القانون يمنع من التصرف بأمر قضائي حتى في ماله الخاص، لأنه قد يتسبب في تبديد ثروته وثروة أولاده من دون أن يدري. فإذا أحسنا الظن في الحكومة المصرية، فإن قرار الحكومة المصرية بإمداد إسرائيل بـ 1.7 بليون متر مكعب من الغاز سنوياً لمدة خمسة عشر عاماً، وبسعر يعادل ثمن سعره العالمي، فيه إضرار بحقوق الأجيال الحاضرة والمستقبلية، خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار أن احتياطي مصر من النفط والغاز محدود أصلاً!
يؤكد هذا، التصريح الذي أدلى به وزير البترول المصري أخيراً، حين أشار إلى الحاجة لتعديل أسعار الغاز المصري المصدر، وأن "زيادة سعر الغاز المصدر قد تحقق زيادة في الدخل القومي المصري تقدر بأربعين بليون دولار".
ولكن المتأمل في هذه القضية، قد يخلص إلى أن المسألة تتعدى مجرد كونها سفهاً حكومياً، إلى كونها أخطر من ذلك بكثير!
ذلك أن الحكومة التي قامت بتوقيع اتفاق دولي من دون الرجوع إلى السلطة التشريعية، قامت بـ "مخالفة جسيمة" للدستور المصري، الذي ينص على أن تعرض جميع الاتفاقات والمعاهدات الدولية على السلطة التشريعية قبل إقرارها، وهو الأساس القانوني الذي بنت عليه المحكمة قرارها الأخير في بطلان اتفاق بيع الغاز إلى إسرائيل، وهو جريمة قانونية يحاسب عليها الدستور، ولو كان مثل هذا التصرف صدر من حكومة دولة في العالم الغربي، لتبع ذلك استقالة الحكومة .
ولعل حيثيات الحكم القضائي الصادر عن محكمة القضاء الإداري - الذي أشار إلى أن السرية التامة والسرعة المذهلة اللتين صاحبتا منح حق امتياز وتصدير الغاز إلى شركة تم إنشاؤها لأجل هذا الغرض، يخلان بالثقة الواجب توافرها في التعاملات الحكومية - تشير بشكل واضح، إلى اتهام المسؤولين الحكوميين المتورطين في هذا القرار.
فالوزير الذي سمح بتصدير الغاز إلى إسرائيل، مخالفاً بذلك القسم الذي أقسم عليه بموجب المادة 155 من الدستور، في أن يحترم "الدستور والقانون"، ويرعى "مصالح الشعب"، ربما كان الأولى أن يحال إلى محاكمة قانونية، كما نصت على ذلك المادة 159، من الدستور المصري ذاته.
على أن ذلك لا يعني أن المسؤولية تقع على وزير بعينه فقط، فمسؤولية التفريط في ثروات البلاد وحقوق الأجيال المستقبلية، منوطة بعنق الحكومة إجمالاً، وتتطلب، تبعاً لذلك، أن تتحمل الحكومة مسؤوليتها الدستورية والقانونية المرتبطة بها.
يأتي هذا المطلب في هذا الوقت على وجه الخصوص، بعد أن ثبت عجز الحكومة المصرية في مواجهة مآسٍ عدة ، شملت انهيار الدويقة، وحريق المسرح القومي، وحريق قصر ثقافة بني سويف الذي راح ضحيته عدد من فناني مصر، وحريق مجلس الشعب الأخير، وحوادث القطارات المتعددة، واختطاف السياح، وغرق العبارات التي راح ضحيتها الأبرياء، إضافةً إلى عجز الحكومة عن مواجهة أزمة الغلاء التي عصفت بالصغير والكبير.
المثير للسخرية، هو أنه في الوقت الذي تمد فيه مصر إسرائيل بالغاز والنفط بأسعار زهيدة، يقف إخوانهم العرب من الفلسطينيين، على مقربة أمتار، وهم في أمسّ الحاجة إلى الغاز والنفط، والذي بسبب نقصه يموت الأبرياء في قطاع غزة، ويمكن للحكومة المصرية أن تكون سبباً في وقف عداد الموتى الفلسطينيين في غزة، في حال أمدتهم بالغاز أو الكهرباء.
ولعل وجه الشبه بين حصار غزة وبيع الغاز لإسرائيل، هو أن محكمة القضاء الإداري في القاهرة، كانت حكمت الثلثاء قبل الماضي، ببطلان قرار الحكومة المصرية القاضي بمنع وصول إغاثات المواطنين المصريين إلى غزة، ولكن هذا الحكم لم يجد سبيلاً للتنفيذ بعد!
فهل يكون مصير الحكم القضائي المتعلق ببيع الغاز إلى إسرائيل المصير نفسه؟!